فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قصارى أحدهم أن ينظر في كتب جابر وأضرابه فيأخذ بظواهر كلامهم، ويغتر بجلايا دعاويهم دون حقائق معانيهم وهم وجميع من مضى من حكماء هذه الصنعة يحذرون الناس من الاغترار بظواهر كتبهم، وينادون على أنفسهم بأنهم يرمزون ويلغزون ولا يلتفت إلى قولهم ولا يصدقون إلى آخر ما قال.
وقد تفاقم الأمر في زماننا إلى ما لا تتسع العبارة لشرحه، وكون الكيمياء من تأثيرات النفوس وخوارق العادات فلا تكون إلا معجزة أو كرامة أو سحرًا ليس بشيء بل هي بأسباب عادية لكنها خفية على أكثر الناس لا دخل لتأثير النفوس فيها أصلًا.
نعم قد يكون من النبي أو الولي ما يكون من الكيماوي من غير معاطاة تلك الأسباب فيكون ذلك كرامة أو معجزة، وكون منحى كلام بعض الحكماء فيها منحى كلامهم في الأمور السحرية لا يدل على أنها من أنواع السحر أو توابعه فإن ذلك من ألغازهم لأمرها، وقد تفننوا في الألغاز لها وسلكوا في ذلك كل مسلك، فوضع بليناس كتابه فيها على الأفلاك والكواكب، ومنهم من تكلم عليها بالأمثال ومنهم من تكلم عليها بالحكايات التي هي أشبه شيء بالخرافات إلى غير ذلك.
وبالجملة هي صنعة قل من يعرفها جدًا، وأعد الاشتغال بها والتصدي لمعرفتها من كتبها من غير حكيم عارف برموزها كما يفعله المنتحلين لها اليوم محض جنون، وكون أصلها الوحي الإلهي أو نحو ذلك هو الذي يغلب على الظن، وقد أورد الطغرائي في كتبه كجامع الأسرار وغيره ما يدل على ذلك، فذكر أنه روى عن هرمس أنه قال: إن الله عز وجل أوحى إلى شيث بن آدم عليهما السلام أن ازرع الذهب في الأرض البيضاء النقية واسقه ماء الحياة، وقالت مارية: إني لست أقول لكم من تلقاء نفسي، ولكني أقول لكم ما أمر الله تعالى به نبيه موسى عليه السلام وأعلمه أن الحجر النسطريس هو الذي يمسك البصغ وقال بنسبتها إلى موسى عليه السلام ذوسيموس وارس، وذكر ارس أن العمل بها كان طوع اليهود بمصر، وكان يوسف عليه السلام وهو أول من دخل مصر من بني إسرائيل يعرف ذلك فأكرمه فرعون لحكمته التي آتاه الله تعالى إياها، وذكر أيضًا فصلًا مرموزًا فيها نسبه إلى سليمان عليه السلام.
وقال الطرسوسي في كتابه: إن الله تعالى لما أهبط آدم عليه السلام من الجنة عوضه علم كل شيء وكان علم الصنعة مما علمه، وانتقل من قوم إلى قوم كما انتقلت العلوم الأخر إلى أيام هرمس الأول، وقال أيضًا: حدثونا عن محمد بن جرير الطبري بإسناد له متصل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وأعطيت الكبريت الأبيض والأحمر» وروى جابر عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه في ذلك روايات كثيرة حتى أنه أسند إليه عدة من كتبه ولا أحقق قوله ولا أكذبه وأجله لموضعه من العلم عن الافتراء على الأئمة، وروى عن أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه أنه سئل فقيل: له ما تقول فيما خاض الناس فيه من علم الكيمياء؟ فأطرق مليًا ثم رفع رأسه ثم قال: سألتموني عن أخت النبوة وتوأم المروة لقد كان وأنه لكائن وما من شجرة ولا مدرة ولا شيء إلا وفيه أصل وفرع أو أصل أو فرع قيل: يا أمير المؤمنين أما تعلمه؟ قال: والله تعالى أنا أعلم به من العالمين له لأنهم يتكلمون بالعلم على ظاهره دون باطنه وأنا أعلم العلم ظاهره وباطنه، قيل: فاذكر لنا منه شيئًا نأخذه منك، قال: والله تعالى لولا أن النفس أمارة بالسوء لقلت، قيل: فما كان تقول؟ قال: إني أعلم أن في الزئبق الرجراج والذهب الوهاج والحديد المزعفر وزنجار النحاس الأخضر لكنوزًا لا يؤتى على آخرها يلقح بعضها ببعض فتفتر عن ذهب كامن، قيل: يا أمير المؤمنين ما نعلم هذا، قال: هو ماء جامد وهواء راكد ونار حائلة وأرض سائلة قالوا ما نفقه هذا، قال: لو حل للمؤمنين من أهل الحكمة أن يكلموا الناس على غير هذا لعلمه الصبيان في المكاتب اه كلام الطغرائي باختصار.
وذكر في كتابه مفاتيح الرحمة ومصابيح الحكمة عن ستين نبيًا وحكيمًا أنهم قالوا بحقية هذا العلم، وفي القلب من صحة هذه الأخبار شيء، والأغلب على الظن أنه لو كان في الكيمياء خبر مقبول عند المحدثين لشاع ولما أنكرها من هو من أجلتهم كشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية فإنه كان ينكر ثبوتها وألف رسالة في إنكارها، ولعل رد الشيخ نجم الدين ابن أبي الذر البغدادي وتزييفه ما قاله فيها كما زعم الصفدي إنما كان فيما هو من باب الاستدلالات العقلية فإن الرجل في باب النقليات مما لا يجاريه نجم الدين المذكور وأمثاله وهو في باب العقليات وإن كان جليلًا أيضًا إلا أنه دونه في النقليات، والمطلب دقيق حتى أن بعض من تعقد عليه الخناصر اضطرب في أمرها فأنكرها تارة وأقربها أخرى، فهذا شيخ الحكماء ورئيسهم أبو علي بن سينا سمعت ما نقل عنه أولًا، وحكى عنه الرجوع عنه، وعلى جودة ذهبنه وعلو كعبه في الحكمة بأقسامها لم يقف على حقيقة عملها حتى قال الطغرائي في تراكيب الأنوار ما ينقض عجبي من أبي علي بن سينا كيف استجاز وضع رسالة في هذا الفن فضح بها نفسه وخالف الأصول التي عنده وقصر فيها عن كثير من الحشوية الطغام المظلمة الأذهان الكليلة الأفهام.
وقال في جامع الأسرار: إن الشيخ أبا علي بن سينا لفرط شغفه بهذا العلم وحدسه القوي بأنه حق صنف رسالة فيه فأحسن فيما يتعلق بأصول الطبيعيات ولخفاء طريق القوم واستعمائها دونه لم يذكر في التدابير المختصة بعلمنا لفظة صحيحة ولا أشار إلى ذكر المزاج الحق والأوزان والتراكيب المكتومة والنيران وطبقاتها والآلة التي لا يتم العمل إلابها وهي أحد الشرائط العشرة، ولم يتجاوز ما عند الحشوية من تدابير الزوابق والكباريت والدفن في زبل الخيل والتشاغل بهذه القاذورات ولولا آفة الإعجاب وحسن ظن الإنسان بعلمه وحرصه على أن لا يشذ عنه شيء من المعارف لكان من الواجب على مثله مع غزارة علمه وعلو طبقته في الأبحاث الحقيقية أن يكتفي بما عنده، ولا يتعرض لما لا يعلمه، وقد تأدى إلينا من تدابيره عن أصحابه الذين شاهدوها أنه لم يكن يعرف حقيقة علمنا، وقد رأينا بخطه من التعاريق الملتقطة من كلان جابر بن حيان، وخالد بن يزيد ما يدل أيضًا على ذلك اه ملخصًا، والكلام في هذا المطلب طويل وفيما ذكرنا كفاية لمن أحب الاطلاع على شيء مما قيل في ذلك، والله تعالى الموفق، ثم إن القول بأن المراد بالعلم في الآية علم استخراج الكنوز والدفائن يستدعي ثبوت هذا العلم، وأهل علم الحرف وعلم الطلسمات يقولون به ولهم في ذلك كلام طويل والعقل يجوز ثبوته، والله تعالى أعلم بثبوته في نفس الأمر.
{أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا} تقرير لعلمه ذلك وتنبيه على خطئه في اغتراره وعلمه بذلك من التوراة أو من موسى عليه السلام أو من كتب التواريخ أو من القصاص، والقوة تحتمل القوة الحسية والمعنوية، والجمع يحتمل جمع المال وجمع الرجال، والمعنى ألم يقف على ما يفيده العلم ولم يعلم ما فعل الله تعالى بمن هو أشد منه قوة حسًا أو معنى وأكثر مالًا أو جماعة يحوطونه ويخدمونه حتى لا يغتر بما اغتر به، ويحتمل أن تكون الهمزة للانكار داخلة على مقدر، وجملة ولم يعلم حالية مقررة للإنكار ودالة على انتفاء ما دخلت عليه كما في قولك: أتدعي الفقه وأنت لا تعرف شروط الصلاة، والمراد رد ادعائه العلم والتعظم به بنفي هذا العلم عنه أي أعلم ما ادعاه ولم يعلم هذا حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين، وقيل: إن {لَمْ يَعْلَمْ} عطف على ذلك المقدور نفي العلم عنه لعدم جريه على موجبه {وَلاَ يَسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} الظاهر أن هذا في الآخرة وأن ضمير ذنوبهم للجرمين، وفاعل السؤال إما الله تعالى أو الملائكة عليهم السلام، والمراد بالسؤال المنفى هنا، وكذا في قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} [الرحمن: 39] على ما قيل: سؤال الاستعلام، ونفي ذلك بالنسبة إليه عز وجل ظاهر، وبالنسبة إلى الملائكة عليهم السلام لأنهم مطلعون على صحائفهم أو عارفون إياهم بسيماهم كما قال سبحانه: {يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم فَيُؤْخَذُ بالنواصى والاقدام} [الرحمن: 41].
والمراد بالسؤال المثبت في قوله عز وجل: {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] سؤال التوبيخ والتقريع فلا تناقض بين الآيتين، وجوز أن يكون السؤال في الموضعين بمعنى والنفي والإثبات باعتبار موضعين أو زمانين، والمواقف يوم القيامة كثيرة واليوم طويل فلا تناقض أيضًا، والظاهر أن الجملة غير داخلة في حيز العلم، ولعل وجه اتصالها بما قبلها أنه تعالى لما عدد قارون بذكر اهلاك من قبله من أضرابه في الدنيا أردف ذلك بما فيه تهديد كافة المجرمين بما هو أشنع واشنع من عذاب الآخرة فإن عدم سؤال المذنب مع شدة الغضب عليه يؤذن بالإيقاع به لا محالة، وجعل الزمخشري الجملة تذييلًا لما قبلها، وقيل: إن ذلك في الدنيا.
والمراد أنه تعالى أهلك من أهلك من القرون عن علم منه سبحانه بذنوبهم فلم يحتج عز وجل إلى مسألتهم عنها، وقيل: إن ضمير ذنوبهم لمن هو أشد قوة وهو المهلك من القرون، والإفراد والجمع باعتبار اللفظ والمعنى، والمعنى ولا يسأل عن ذنوب أولئك المهلكين غيرهم ممن أجرم، ويعلم أنه لا يسأل عن ذنوبهم من لم يجرم بالأولى لما بين الصنفين من العداوة فمآل المعنى لا يسأل عن ذنوب المهلكين غيرهم ممن أجرم وممن لم يجرم، بل كل نفس بما كسبت رهينة، وكلا القولين كما ترى، وربما يختلج في ذهنك عطف هذه الجملة على جملة الاستفهام أو جعلها حالًا من فاعل أهلك أو من مفعوله؛ لكن إذا تأملت أدنى تأمل أخرجته من ذهنك وأبيت حمل كلام الله تعالى الجليل على ذلك.
وقرأ أبو جعفر في رواية {وَلاَ تُسْئَلُ} بتاء الخطاب والجزم {المجرمين} بالنصب، وقرأ أبو العالية. وابن سيرين {وَلاَ تُسْئَلُ} كذلك ولم ندر أنصبا المجرمين كأبي جعفر أم رفعاه كما هو في قراءة الجمهور، والظاهر الأول، وجوز صاحب اللوامح الثاني، وذكر له وجهين: الأول أن يكون ضمير ذنوبهم للمهلكين من القرون وارتفاع المجرمين باضمار المبتدأ أي هم المجرمون.
والثاني أن يكون المجرمون بدلًا من ضمير ذنوبهم باعتبار أن أصله الرفع لأن إضافة ذنوب إليه بمنزلة إضافة المصدر إلى اسم الفاعل وأورد على هذا أن ذنوب جمع فإن كان جمع مصدر ففي إعماله خلاف. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى فبغى عَلَيْهِمْ وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بالعصبة أُوْلِى القُوَّةِ}.
كان من صنوف أذى أئمة الكفر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ومن دواعي تصلبهم في إعراضهم عن دعوته اعتزازهم بأموالهم وقالوا {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31] أي على رجل من أهل الثروة فهي عندهم سبب العظمة ونبزهم المسلمين بأنهم ضعفاء القوم، وقد تكرر في القرآن توبيخهم على ذلك كقوله: {وقالوا نحن أكثر أموالًا وأولادًا} [سبأ: 35] وقوله: {وذرني والمكذبين أولي النعمة} [المزمل: 11] الآية.
روى الواحدي عن ابن مسعود وغيره بأسانيد: إن الملأ من قريش وسادتهم منهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والمطعم بن عدي والحارث بن نوفل قالوا: أيريد محمد أن نكون تبعًا لهؤلاء يعنون خبابًا، وبلالًا، وعمارًا، وصهيبًا فلو طرد محمد عنه موالينا وعبيدنا كان أعظم له في صدورنا وأطمع له عندنا وأرجى لاتباعنا إياه وتصديقنا له فأنزل الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم} إلى قوله: {بالشاكرين} [الأنعام: 52- 53].
وكان فيما تقدم من الآيات قريبًا قوله تعالى: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها} إلى قوله: {من المحضرين} [القصص: 60- 61] كما تقدم.
وقد ضرب الله الأمثال للمشركين في جميع أحوالهم بأمثال نظرائهم من الأمم السالفة فضرب في هذه السورة لحال تعاظمهم بأموالهم مثلًا بحال قارون مع موسى وأن مثل قارون صالح لأن يكون مثلًا لأبي لهب ولأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قبل إسلامه في قرابتهما من النبي صلى الله عليه وسلم وأذاهما إياه، وللعاصي بن وائل السهمي في أذاه لخباب بن الأرتّ وغيره، وللوليد بن المغيرة من التعاظم بماله وذويه.
قال تعالى: {ذرني ومن خلقت وحيدًا وجعلت له مالا ممدودًا} [المدثر: 11- 12] فإن المراد به الوليد بن المغيرة.
فقوله: {إن قارون كان من قوم موسى} اسئناف ابتدائي لذكر قصة ضربت مثلًا لحال بعض كفار مكة وهم سادتهم مثل الوليد بن المغيرة وأبي جهل بن هشام ولها مزيد تعلق بجملة {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها} إلى قوله: {ثم هو يوم القيامة من المحضرين} [القصص: 60، 61].
ولهذه القصة اتصال بانتهاء قصة جند فرعون المنتهية عند قوله تعالى: {وما كنت بجانب الطور إذ نادينا} [القصص: 46] الآية.
و{قارون} اسم معرب أصله في العبرانية قورح بضم القاف مشبعة وفتح الراء، وقع في تعريبه تغيير بعض حروفه للتخفيف، وأجري وزنه على متعارف الأوزان العربية مثل طالوت، وجالوت، فليست حروفه حروف اشتقاق من مادة قرن.
وقورح هذا ابن عم موسى عليه السلام دنيا، فهو قورح بن يصهار بن قهات بن لاوى بن يعقوب.
وموسى هو ابن عمرم المسمى عمران في العربية ابن قاهت فيكون يصاهر أخا عمرم، وورد في الإصحاح السادس عشر من سفر العدد أن قُورَح هذا تألب مع بعض زعماء بني إسرائيل مائتين وخمسين رجلًا منهم على موسى وهارون عليهما السلام حين جعل الله الكهانة في بني هارون من سبط لاوى فحسدهم قورح إذ كان ابن عمهم وقال لموسى وهارون: ما بالكما ترتفعان على جماعة الرب إن الجماعة مقدسة والرب معها فغضب الله على قورح وأتباعه وخسف بهم الأرض وذهبت أموال قورح كلها، وكان ذلك حين كان بنو إسرائيل على أبواب أريحا قبل فتحها.
وذكر المفسرون أن فرعون كان جعل قورح رئيسًا على بني إسرائيل في مصر وأنه جمع ثروة عظيمة.
وما حكاه القرآن يبين سبب نُشُوء الحسد في نفسه لموسى لأن موسى لما جاء بالرسالة وخرج ببني إسرائيل زال تأمّر قارون على قومه فحقد على موسى.
وقد أكثر القصاص من وصف بذخة قارون وعظمته ما ليس في القرآن. وما لهم به من برهان. وتلقفه المفسرون حاشا ابن عطية. وافتتاح الجملة بحرف التوكيد يجوز أن يكون لإفادة تأكيد خبر {إن} وما عطف عليه وتعلق به مما اشتملت عليه القصة وهو سوء عاقبة الذين تغرهم أموالهم وتزدهيهم فلا يكترثون بشكر النعمة ويستخفون بالدين، ويكفرون بشرائع الله لظهور أن الإخبار عن قارون بأنه من قوم موسى ليس من شأنه أن يتردد فيه السامع حتى يؤكد له، فمصب التأكيد هو ما بعد قوله: {إذ قال له قومه لا تفرح} إلى آخر القصة المنتهية بالخسف.
ويجوز أن تكون {إن} لمجرد الاهتمام بالخبر ومناط الاهتمام هو مجموع ما تضمنته القصة من العبر التي منها أنه من قوم موسى فصار عدوًا له ولأتباعه، فأمره أغرب من أمر فرعون.
وعدل عن أن يقال: كان من بني إسرائيل، لما في إضافة {قوم} إلى {موسى} من الإيماء إلى أن لقارون اتصالًا خاصًا بموسى فهو اتصال القرابة.